الشورى

ادخل ياجميل وشارك مع على شعبان الشورى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الشورى

ادخل ياجميل وشارك مع على شعبان الشورى

الشورى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قران كريم.خطب دينية .اسلاميات متنوعة.سؤال وجواب. اغانى عربية واجنبية .شات عربى واجنبى.موسيقى.رنات .رسائل. اقوى موقع للبرامج .


    العقيدة الإسلامية وخصائصها

    avatar
    alyshaban
    المدير العام


    عدد المساهمات : 480
    تاريخ التسجيل : 16/04/2009

    العقيدة الإسلامية وخصائصها Empty العقيدة الإسلامية وخصائصها

    مُساهمة من طرف alyshaban الخميس مارس 04, 2010 11:18 am

    العقيدة الإسلامية وخصائصها



    إن هذه العقيدة – بادئ ذي بدء – هي العقيدة التي ارتضاها الله لنا وأنعم بها علينا : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ) [ المائدة : 3 ] .

    وهي من ثَمَّ منهج الحياة الصحيح الذي رسمه الله لنا لنفوز بخير الدنيا والآخرة ، ولنكون محققين لشروط الخلافة التي خلقنا الله من أجلها : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) [ البقرة : 30 ] .

    ولنقوم بعمارة الأرض على الوجه الذي أراده الله : ( هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) [ هود : 61 ] .

    في حدود العبادة لله التي هي غاية الوجود الإنساني كله : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ الذاريات : 56 ] .

    وهذه الصورة المجملة تعطينا لمحة عن خصائص هذه العقيدة ، وهي الشمول والتكامل ، والتوازن . ولنتحدث عن كلٍّ من هذه الخصائص بإيجاز :


    أولاً : الشمول :

    إن هذه العقيدة تشمل الإنسان كله ، جسمه وعقله وروحه ، كما تشمل سلوكه وفكره ومشاعره ، كما تشمل دنياه وآخرته .

    ليس في كيان الإنسان ولا في حياته شيء لا يتصل بهذه العقيدة ولا تتصل العقيدة به .

    إنها تصاحبه في كل لحظة من لحظات حياته ، وفي كل عمل يعمله ، أو فكر يفكره ، أو شعور يختلج في ضميره .

    ويتضح لنا الشمول فـي مجالات متعددة ، وعلى محاور مختلفة ، تلتقي كلها في النهاية :

    1- ففي مجال الاعتقاد تشمل الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والنبيين والكتب السماوية والقدر خيره وشره .

    2- وفي مجال العمل تشمل العمل للدنيا والعمل للآخرة في ذات الوقت .

    3- وفي مجال الكائن البشري تشمل حركة جسمه وتفكّر عقله وانطلاقة روحه .

    4- وفي مجال المجموع البشري تشمل الفرد والجماعة والأمة والدولة فـي ذات الوقت .

    5- وفي مجال العلاقات تشمل علاقة الإنسان بربه وعلاقته بنفسه وعلاقته بغيره ( في داخل الأسرة وفي داخل المجتمع وفيما بين المسلمين وغير المسلمين ، وفيما بين الإنسان والكون كذلك ! ) .

    ولن توجد دائرة أوسع من هذه ولا أشمل . لأن هذه تشمل كل شيء في الوجود !



    ثانياً : التكامل ( أو الترابط ) :

    إن هذه العقيدة لا تتّسم بالشمول الذي ذكرنا مجالاته ومحاوره المختلفة فحسب ، بل بالتكامل والترابط كذلك . وهذه مستقلة عن الشمول ، وإن كانت وثيقة الصلة به .

    ولنأخذ هذه المجالات واحداً واحداً لنرى أثر الترابط فيه بالإضافة إلى الشمول .

    1- في مجال الاعتقاد :

    قلنا إنها تشمل الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين والقدر خيره وشره . ولكن الشمول في ذاته لا يعني ترابط هذه المعتقدات بعضها ببعض . فقد تكون موجودة بعضها إلى جوار بعض ، دون ترابط بين أركانها المختلفة ، كل منها يعمل في حقل مستقل غير مرتبط بالآخر . وليس هذا هو الحال في هذه العقيدة . فإن كل ركن من هذه الأركان ذو صلة وثيقة بسائرها ، بحيث تكون في النهاية كلاً متكاملاً ، يؤثر بمجموعه المترابط في حياة الإنسان .

    وإن شئت الدقة فقل إن سائر أركان العقيدة الإسلامية مرتبط بركنها الأول وهو الأكبر وهو الإيمان بالله .

    فالإيمان بالله هو الأساس ، وهو لب العقيدة وصلبها ، ثم تأتي بقية الأركان فتتصل به فتتكامل .

    فالإيمان باليوم الآخر – كما رأينا في حديثنا عنه – مرتبط بعدل الله وحكمته وبالحق الذي خلق الله به السماوات والأرض ، وخلق به الحياة والموت ، أي أنه مرتبط ارتباطاً مباشراً بتصورنا لصفات الله جل وعلا ، بحيث يصبح تصورنا لها ناقصاً ومختلاً إذا لم نؤمن بذلك اليوم الذي يحق فيه الحق وتكتمل الصورة ويصل كل شيء فيه إلى دلالته الحقيقية الكاملة .

    والإيمان بالملائكة متصل بقدرة الله من جانب : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [ فاطر : 1 ] .

    ومتصل بمعرفة المنهج الذي يريد الله أن تسير حياتنا عليه من جانب آخر ، لأنهم هم الرسل الذين يرسلهم الله ليبلغوا وحيه لمن يختارهم من البشر لهداية البشرية .

    وبذلك لا يكون الإيمان بالملائكة ركناً منفصلاً في هذه العقيدة قائماً بذاته وإنما هو متصل بالإيمان بالله ،ومترابط مع بقية الأركان .

    ونستطيع على هذا الضوء أن ندرك ترابط بقية الأركان بعضها ببعض ، وترابط سائرها بالإيمان بالله . فالإيمان بالكتب متصل مباشرة بالمنهج الرباني أي بما يشرعه الله للبشر لتستقيم حياتهم في الحياة الدنيا والآخرة ،وكذلك الإيمان بالنبيين ، لأنهم هم الذين يحملون إلينا المنهج الرباني بما يوحي الله إليهم عن طريق ملائكته .

    أما الإيمان بالقدر فهو متصل بإيماننا بوحدانية الله مباشرة ، لأنه هو الإجابة المباشرة على هذا السؤال : هل هناك في الكون من يشترك مع الله في تدبير شؤونه وإجراء أحداثه ، أم أنه هو الله وحده ؟

    وبذلك يتضح لنا الترابط جلياً بين هذه الأركان كلها في مجال الاعتقاد .

    2- وفي مجال العمل :

    قلنا : إن العقيدة تشمل العمل للدنيا والعمل للآخرة في ذات الوقت ، وهنا نقول : إن من خصائص هذه العقيدة أنها لا تفصل بين العمل للدنيا والعمل للآخرة .

    فليس هناك في الإسلام عمل هو للدنيا وحدها ، وعمل هو للآخرة وحدها ! إنما الأعمال كلها للدنيا والآخرة في وقت واحد .

    العبادات التي يُظَنّ أنها للآخرة وحدها ، كلها ذات مقتضى متصل بالحياة الدنيا : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) [ العنكبوت : 45 ] ،( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [ البقرة : 183 ] .

    أي هنا في الحياة الدنيا ،وهكذا فـي سائر العبادات هي للآخرة وفي ذات الوقت لها غاية تتحقق هنا في الأرض .

    والأعمال التي يظن أنها للدنيا وحدها من جانب آخر كالطعام والشراب والملبس والمسكن والجنس وعمارة الأرض .. إلخ كلها تعمل في الدنيا ولكن يشترط فيها شروط تربطها بالآخرة ، يشترط فيها التزام الحلال والحرام والالتزام بأمر الله من أجل الثواب أو العقاب الذي يترتب على ذلك في الآخرة ، وكلها في نظر الإسلام " عبادة " متى ما روعي فيها الالتزام بأمر الله ، وتوجه بها الإنسان إلى الله . بل هي " العبادة " التي تشير إليها الآية : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ الذاريات : 56 ] .

    والآيتان الأخريان : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ ) [ الأنعام : 162 ، 163 ] .

    وبذلك تتصل الدنيا والآخرة وتترابط في عقيدة الإسلام .

    3- وفي مجال الكائن البشري :

    قلنا : إنها تشمل حركة جسمه وتفكر عقله وانطلاقة روحه . ولكن هذه ليست مستقلة بعضها عن بعض . صحيح أن هناك ساعة تغلب فيها حركة الجسم كالطعام والشراب والجنس ، وساعة يغلب فيها تفكر العقل كساعات التأمل أو ساعات التفكير في شأن من شؤون العلم أو العمل ، وساعة تغلب فيها انطلاقة الروح كساعة التعبد .

    ولكنّ الإسلام لا يدع واحدة من هذه تنفصل انفصالاً كاملاً بحيث تنقطع صلتها عن الباقيات .

    في الطعام والشراب والجنس .. إلخ ، يتحرى الإنسان الحرام والحلال ويذكر اسم الله , فلا تعود حركة جسد مستقلة !

    وفي التفكر كذلك يتوقى الإنسان التفكير الشرير ويتحرى التفكير الخير ، ويتقي الله ، فلا يعود تفكراً عقلياً خالصاً !

    وفي العبادة الإسلامية يتحرك الجسد ويعمل العقل مع انطلاقة الروح ، وخذ الصلاة مثلاً ، إنها ليست انطلاقة روح مستقلة ، إنما يشارك فيها الجسم بالقيام والقعود والركوع والسجود ، ويشارك فيها الفكر بالتدبر في آيات الله ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لَيسَ لَكَ مِنْ صَلاتِكَ إلاّ ما وَعَيْتَ " .

    وبذلك يترابط الكائن البشري كله في أداء متطلبات هذه العقيدة فلا ينفصل جسمه عن عقله أو عن روحه !

    4- وفي مجال المجموع البشري :

    قلنا : إنها تشمل الفرد والجماعة والأمة والدولة .. ونقول هنا : إن هذه العقيدة لا تأخذ أيّا من هذه بمعزل عن الأخرى . فهي لا تنشئ الفرد الصالح بمعايير ، والجماعة الصالحة بمعايير أخرى . إنما هي ذات المعايير وإن اختلفت التكاليف بين الفرد والجماعة .

    المعايير هي الإيمان بالله وتقوى الله والالتزام بما أنزل الله . ثم تكون بعد ذلك تكاليف يقوم بها الفرد بمفرده وتكاليف أخرى تقوم بها الجماعة مجتمعة ، ولكن يلتقي الفرد والمجموع معاً على أسس واحدة وتربية ذات اتجاه موحد . ومن ثمَّ لا تفترق الأمة – حين تلتقي – إلى طوائف وشيع متنافرة كل منها يعمل في اتجاه ، ولا إلى فرد متخاصم مع المجموع . ولا تتحول كما يحدث في الجاهليتين المعاصرتين في الغرب والشرق إلى فرد طاغ ومجموع مفكك ، أو مجموع طاغ وفرد مسحوق !

    وكذلك تلتقي الأمة والدولة على أمر واحد ، هو عبادة الله والحكم بما أنزل الله ، وهو أمر من صلب الاعتقاد ، لقوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) [ المائدة : 44 ] .

    وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو مقتضى الإيمان بالله لقوله تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) [ آل عمران : 110 ] .فيحدث الترابط بينهما والاتفاق .

    5- وفي مجال العلاقات :

    قلنا : إنها تشمل علاقة الإنسان بربه وعلاقته بنفسه وعلاقته بالآخرين . وهنا نقول : إن هذه كلها تترابط وتلتقي عن طريق المحور المشترك فيها جميعاً وهو الإيمان بالله وعبادته . فعلاقة الإنسان بربه هي الإيمان والعبادة ، وعلاقته بنفسه هي تزكيتها ، والتزكية تتم عن طريق الإيمان والعبادة ، وعن طريق الالتزام بأوامر الله وهو مقتضى الإيمان والعبادة . وعلاقته ( أو علاقاته ) بغيره تتم كلها عن طريق تنفيذ أوامر الله والتحاكم إلى ما أنزل الله .

    وبذلك تنتظم العلاقات كلها في سلك واحد قوامه الإيمان بالله ..

    وهكذا يبدو الترابط والتكامل بين أركان هذه العقيدة على جميع المحاور وفي جميع المجالات .



    ثالثاً : التوازن :

    مع شمول هذه العقيدة وترابطها فهي تتسم أيضاً بالتوازن .

    ويبدو هذا التوازن كذلك على مجموعة من المحاور المختلفة ومجموعة من المجالات :

    1- توازن بين الروح والجسد أو عالم المعنويات وعالم الحس .

    2- توازن بين عالم الغيب وعالم الشهادة .

    3- توازن بين الإيمان بالقدر والأخذ بالأسباب .

    4- توازن بين جوانب الحياة المختلفة : السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. إلخ .

    ولنقل كلمة سريعة عن كل مجال من هذه المجالات :

    1- الإنسان قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله . وهناك توازن دقيق بين عنصريه المكونين له ، يختل إذا أعطينا أحدهما من العناية والالتفاف أكثر من حقه . والجاهليات دائماً تختل في هذا الأمر فتؤكد على جانب الروح وحدها كالهندوكية والبوذية أو جانب الجسد وحده كالجاهلية المعاصرة في شرق أوربا وغربها سواء .

    ومن خصائص العقيدة الإسلامية أنها توازن بينهما التوازن الصحيح . فمن ناحية هي تمزج بين عالم الجسد وعالم الروح وتشركهما معاً في مجال العمل ومجال التعبد سواء ، ومن ناحية أخرى تعطي كلاً منهما حقه ،فلا تشغل الإنسان بعالم الحس وتكبت روحه كالمادية المعاصرة ، ولا تشغله بأمور روحه على حساب كيانه المادي ومطالب جسده كالديانة الهندوكية والبوذية : " ألا إني لأخشاكُمْ لله ولكنِّي أصُوْمُ وأفْطر ، وأقومُ وأنام وأتزوَّج النساء ، فمن رَغِبَ عن سُنَتي فليسَ مِنِّي ". وتقوم الحضارة الإسلامية المنبثقة من العقيدة على أساس الجانب المادي والروحي سواء .

    2- يتطلب الإسلام الإيمان الغيب ، لأنه عن طريقه يؤمن بالله واليوم الآخر ، ولكنه لا يطلب منه أن يهمل عالم الشهود ، بل إنه في عرضه لحقائق العقيدة يُكثر من الإشارة إلى آيات الله في الكون لكي يتدبرها الإنسان ويصل عن طريق تدبرها إلى الإيمان بالله ، ومن هنا لا يلجأ الإسلام إلى الغيبوبة الروحية التي يقع فيها بعض المتطرفين في العبادة زعماً منهم أنهم يستغنون بشهود الذات الإلهية عن شهود الكون الذي خلقه الله ، وكذلك لا يقبل أن ينشغل الإنسان بالكون المشهود عن عالم الغيب فيقطع صلته بالله واليوم الآخر كما تصنع حضارة اليوم المادية.

    3- قلنا من قبل إن الإسلام لا يفصل بين الدنيا والآخرة ، ونقول هنا : إن هذا الربط ذاته هو الذي يوازن بين الدنيا والآخرة في هذه العقيدة ، إذ يحدث عدم التوازن حين تنفصل الدنيا عن الآخرة في حس الإنسان ، فيقوم بأعمال على أنها للدنيا وحدها منفصلة عن الآخرة ، وأعمال أخرى على أنها للآخرة وحدها منفصلة عن الدنيا ، عندئذ لا بد أن يحدث الاختلال في حسه فتغلب مجموعة من الأعمال على الأخرى . فإما أن تجذبه الدنيا رويداً رويداً حتى ينسى الآخرة ، وإما أن تجذبه الآخرة رويداً رويداً حتى ينسى الدنيا . وكلاهما في نظر الإسلام اختلال . فالأول ينشغل بالسعي وراء الرزق والحصول على أكبر قدر من متاع الدنيا ، والآخر يزهد في متاع الدنيا وينشغل عن طلب الرزق وتعمير الأرض . ويصبح كل منهما مقصراً وآثماً في حق الله .

    إنما يحدث التوازن الذي تشير إليه الآية : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) [ القصص : 77 ] .

    حين ترتبط الدنيا والآخرة في حس الإنسان فيعمل للآخرة وهو يعمل للدنيا في ذات الوقت . فلا يهمل العبادة ولا يهمل عمارة الأرض .

    4- إن التوازن في حس المسلم بين الإيمان بالقدر وبين الأخذ بالأسباب ، هو من أجمل خصائص العقيدة الإسلامية ، إن المتواكلين يزعمون أنهم يتوكلون على الله ثم يهملون الأخذ بالأسباب جملة فيصيبهم ما يصيبهم من فقر ومرض وجهل وعجز وهوان في الأرض ، وإن المادية الأوربية من جانب آخر تأخذ بالأسباب منقطعة عن الله وقدره ، فتنتج إنتاجاً مادياً ضخماً وتكفر في ذات الوقت وتنحط أخلاقها وتهبط إنسانيتها إلى الحضيض ، ثم يصيبها ما يصيبها من قلق واضطراب وأمراض عصبية ونفسية وجنون وانتحار وضياع لأنها تفقد الطمأنينة التي يجدها المؤمن لذكر الله ولقدر الله .

    والإسلام يوازن موازنة جميلة بين هذين الحدين المتطرفين ، فهو يعلم الناس أن هناك سننا ربانية يدير الله بها الكون المادي والحياة البشرية . وأنه لا بد من اتباع هذه السنن ومجاراتها إذا رغبنا في الوصول إلى نتائج معينة ، ومقتضى ذلك هو الأخذ بالأسباب . ولكنه في الوقت ذاته يربي المؤمن على ألا يتكل على الأسباب الظاهرة فيحبط عمله ، إنما يظل قلبه موصولا بالله ، متطلعا إليه أن ينجح مسعاه ويوصله إلى النتائج المرغوبة . وبذلك يتوازن الإنسان في سعيه في الأرض لا يهمل الأسباب ويتواكل ، ولا يكف عن التطلع إلى قدر الله .

    5- أخيراً نقول : إن هذه العقيدة توازن بين جوانب الحياة الإنسانية المختلفة فلا يطغى منها جانب على جانب . فكما أن الجانب الروحي لا يطغى على الجانب المادي ، فكذلك لا يطغى الجانب السياسي على الاقتصادي ، ولا الاقتصادي على الخلقي وهكذا . بل تتوازن جوانب الحياة كلها على محور العقيدة الرئيس الذي مقتضاه الإيمان بالله والالتزام بما أنزل الله ، فتسير كلها متوازية متوازنة في آنٍ واحد.

    .................................................. .......

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 10:46 am