الصفة الثالثة عشر{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } عباد الرحمن لا يكفيهم أنهم يبيتون لربهم سجدا وقياما، وأنهم يتصفون بتلك الصفات الجميلة والرائعة.. بل أيضا يتمنون، ويرجون أن تعقبهم ذريتهم أن تسير على نفس المنهج أن تكون لهم أزواج، وأولاد تقر أعينهم بهم على نفس هذا المنهج الذي صاروا عليه.. بل ويرجون من الله عز وجل أن يكونوا قدوة طيبة لأزواجهم وذريتهم.. بل وللمؤمنين عامة ولذلك قال في الصفة الرابعة عشر { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } عجيبة الآية هذه والله يا إخوة.. لم يطلب منهم فقط أن يكونوا من المتقين.. بل أئمة للمتقين ولذلك قال { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } وهذه يعني اجعلنا قدوة لهم.. قدوة للمتقين.. قدوة للناس ثم هي مليئة بالإرادة، والعزيمة الصادقة، وعلو الهمة.. فإن الله تعالى يربي عباده عباد الرحمن.. الله يغرس فيهم، وفي أنفسهم علو الإرادة والهمة
ذريني أنا المال ينال من العلا
فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل
تريدين إدراك المعالي رخيصة
ولابد دون الشهد من إبر النحل
شتان بين الثرى والثريا من الناس من همته في الثرى في التراب، ومن الناس من همته في الثريا ينظر إلى أعلى دائما من الناس من هو طموح مليء بالطموح، ومن الناس من هو صاحب فتور وكسل.. أما عباد الرحمن فهم أهل طموح، وأهل عزيمة، وأهل صدق، وعلو همة، وإرادة، ولذلك جاءت الآيات تؤكد مثل هذه الصفات في مواقف كثيرة جدا، وفي قصص كثيرة جدا أبو بكر رضي الله تعالى عنه النبي صلى الله عليه وسلم يقول مرة من المرات أصبح فقال لأصحابه " من تصدق منكم اليوم بصدقة فقال أبو بكر أنا قال من صلى منكم اليوم على جنازة قال أبو بكر أنا قال من أصبح منكم اليوم صائما قال أبو بكر أنا أنا أنا أنا عجيب فما اجتمعت في قوم أو في امرئ إلا ودخل الجنة " طيب ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم.. الله عز وجل يقول في القرآن يربي في النفس المؤمنة دائما على معالي الأمور والنبي يقول " إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى " ليس مجرد الجنة.. بل الفردوس الأعلى، وهكذا كانت همة أبو بكر رضي الله تعالى عنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أيدخل أحد من أبوبا الجنة الثمانية؟ لما قال صلى الله عليه وسلم " إن للجنة أبوابا ثمانية فيدخل الصائمون من باب الريان والمصلون من باب الصلاة الخ قال: يا رسول الله أيدخل أحد من أبوب الجنة الثمانية فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر" يعني إن شاء الله أنك منهم كيف بلغ أبو بكر هذه الهمة هذه هي صفات عباد الرحمن ذوو همة.. لا يرضون بالدنية، ولا بالدون.. إنما دائما ينظرون إلى معالي الأمور.. دائما ينظرون إلى معالي الأمور.
إذا ما مات ذو علم وتقوى
فقد ثلمت من الإسلام ثلمة
وموت الحاكم العدل المولى
بحكم الأرض منقصة ونقمة
وموت فتى كثير الجود محل
فإن بقائه خصب ونعمة
وموت العابد القوام ليل
يناجي ربه في كل ظلمة
وموت الفارس الضرغام هدم
تشهد له بالنصر عزمه
فحسبك خمسة يبكى عليهم
وباقي الناس تخفيف ورحمة
وباقي الخلق همج رعاع
وفي إيجادهم لله حكمة
لا يمكن أن يرضى أحد من عباد الرحمن أن يكون من التخفيف والرحمة فضلا عن أن يكون من الهمج الرعاع لا يمكن فهو دائما يستشعر في أن يكون في الحياة في وسطها من أصحاب الهمم العالية ممن له دور في صناعة الحياة، وبناء الأمة هكذا هم عباد الرحمن أصاحب همة عالية { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }
فاصل
إذن هذه الصفات التي ذكرها الله عز وجل في المقطع الأخير من سورة الفرقان.. إنما هي الصفات السلوكية العملية التطبيقية في حياة عباد الرحمن أربع عشر صفة ثم ختم الله تعالى هذا المقطع بالنتيجة بالجزاء فقال في آخر الآيات { أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً} تتلقاهم الملائكة بالتحية، وبالسلام، وبالفرح بماذا؟ بما صبورا.. لهم الغرفة.. لهم الجنان بما صبروا، وجاهدوا أنفسهم { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } فنالوا هذه المرتبة العظيمة بما صبروا، وجاهدوا أنفسهم نعم الدنيا هذه للجهاد هذه الصفات حتى تحققها تحتاج إلى صبر.. إلى مثابرة.. إلى مجاهدة.. تحتاج إلى علم تسمعه تقرؤه.. تحتاج إلى تدبر للآيات تنظر فيها.. تتأملها.. تحاول تزكي نفسك قاعدة التحلي، والتخلي.. التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل هكذا هم عباد الرحمن بصفاتهم؛ لأنهم يحبون ما عند الله، ولذلك جاءتهم النتيجة من الله عز وجل { أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } لما كانوا يستعيذون من النار.. ساءت إنها ساءت مستقرا ومقاما.. أما آن حسنت مستقرا ومقاما.. فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وبالتالي طبيعي جدا أن يفرحوا بهذا المستقر، والخلود فيها؛ لأنها فيها نعيم لا ينفد، ولذلك نالوا هذا الأجر، وهذا الفضل من الله عز وجل فعلا مخرج لهم إلا أن يشاء الله عز وجل وهم على خير حال في هذا المقام، وفي هذا المكان.. نسأل الله الكريم من فضله.. ثم جاءت الآية الأخيرة ليختم الله بها السورة سورة الفرقان { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } لا يعبأ الله بكم، ولا بالناس.. لا يعبأ الله بكم أبدا.. ليس لكم مقام عند الله { لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} مهما فعلتم يا مشركي قريش.. مهما فعل الظالمون.. لولا قنوتكم لله، وصلاتكم وإقبالكم على الله عز وجل { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} ما هو الذي سيكون لزاما؟ العذاب فهو لازم للمكذبين لا محالة.. هذه النتيجة {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} فالعذاب لازم للظالمين للمكذبين فالمكذبون العذاب عليهم لازم { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } ولعل هذا الختام للسورة، وللصفات ختام ينساب الموضع تماما رائع، وجميل خاصة فيه تسرية فيه عزاء للنبي صلى الله عليه وسلم فيما واجهه من كفار قريش من السخرية، والاستهزاء، والسخرية بأصحابه، ولذلك جاءت هذه الآية أو في ختام هذه السورة بهذه الصورة لتطمين النبي صلى الله عليه وسلم، وتعزيته لعناد قومه، وجحودهم تطاولهم عليه هم يعرفون مقامه، ويعرفون أنه نبي، ولكنه في سبيل الإبقاء على باطلهم يعاندون، ويصرون هذا هو حال قومه فما هم قومه ما البشرية كلها لولا محمد صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وعباد الرحمن، والمؤمنون الذين يدعون إلى الله، ويتضرعون إليه.. فالدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة كما جاء في الأحاديث، والآثار الصحيحة، ولو كانت تساوي عند الله ما سقى منها كافر شربة ماء.. فكانت هذه النتيجة العظيمة إذا هذه الصفات هذا مجمل الآيات في الصفات السلوكية لعباد الرحمن كما جاءت في آخر سورة الفرقان.. فما أجمل، وما أحرى أن نتأملها، ونتدبرها نحاول أن نجاهد أنفسنا فعلا في تحقيقها في واقعنا العملي لعلي بمشيئة الله تعالى في الحلقات القادمة نبدأ، وإياكم في الحديث عن هذه الصفات مفصلة آية.. آية نتوسع نرى كيف يستطيع المسلم منا، ويجاهد نفسه في الوصول إلى هذه الصفات صفة صفة.. أسأل الله أن يجعلني، وإياكم من عباد الرحمن، وأن يعيننا فعلا للوصول؛ لأن نكون من عباد الرحمن، ومن أولياء الرحمن، ومن حزب الرحمن