صفحات من حياة الرسول
بعث الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس الأربعين من عمره، واختاره الله تعالى
لجواره وله من العمر ثلاث وستون سنة بعد أن بلغ رسالته وأدى أمانته. وقد ظل
الوحي يواتيه طوال تلك المدة بأحكام الله وما شرع لعباده، ينزل عليه بين الحين والآخر
بالآية والآيات في حل ما يعرض له من مشكلات وتذليل ما يعترض مهمته من عقبات
ينير له الطريق ويرسم الخطط.
ومن هذه الحوادث الجسام التي امتلأت بها حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
وتخللت كفاحه لتبليغ رسالته، حادث عظيم فذ، هو هجرته إلى المدينة والتجاؤه إلى
من آمن به من أهلها ليؤوه وأصحابه، وليحموا دعوته مما نصبت لها قريش. تلك الهجرة
قسمت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عهدين، تطورت فيهما طرقه في
تبليغ الرسالة. فكان رسول الله قبل الهجرة يناقش قريشاً في المبادئ العامة ويختلف
وإياهم في الألوهية. وهل أساسها التوحيد أم تعدد المعبودات، ويخوفهم بيوم القيامة
ويريهم ما فيه من بعث وحساب يتبعه ثواب أو عقاب، ويطالبهم بإنصاف نسائهم
وعبيدهم ويسوي بين فقيرهم وغنيهم، قال الرسول الكريم في حجة الوداع “كلكم
لآدم وآدم من تراب” وكان عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى أن في أموالهم حقا
معلوما للسائل والمحروم، مما أثار حنق قريش وحفيظتها عليه، فأخذته وأصحابه
بصنوف التعذيب والتنكيل، ليصرفوه عن دعوته ويمنعوه عن الاتصال بالناس حتى تموت
الفكرة وتقبر في مهدها. فلما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أخذ
يفصل ما أجمل في العهد المكي من أمور العبادة ومبادىء الاختلاف، كما وضع
النظريات العامة، وشرع للمسلمين نظم المعاملات كالبيع والشراء والزواج والطلاق،
وحرم المنكرات كالخمر والزنا والميسر، وقرر الحدود والقصاص.
وصفوة القول إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ ينظم أمر تلك الجماعة الصغيرة
الناشئة التي حاطه أفرادها بقلوبهم وأرواحهم، ويشرع لها نظماً لمعاملاتها وهو في
ذلك كله لا يألو جهداً ولا يدخر وسعاً في بث الدعوة وتبليغ الرسالة. وكان القرآن في
ذلك كله ساعده الذي لا يخذله ومدد الله إليه الذي لا يتأخر عنه عند الحاجة، فيه ناقش
المشركين في مكة أمهات مسائل الدين وقضاياه الكلية، وسفه آلهتهم وعاب نظامهم
الاجتماعي.
الحديث والسنة
لو أخذنا بالرأي السائد بين المحدثين، ولا سيما المتأخرين منهم، لرأينا الحديث والسنة
مترادفين متساويين، بوضع أحدهما مكان الآخر: ففي كل منهما إضافة قول أو فعل أو
تقرير أو صفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. بيد أن رد هذين اللفظين إلى أصولهما
التاريخية يؤكد وجود بعض الفروق الدقيقة بين الاستعمالين لغة واصطلاحاً.
فالحديث كما لاحظ أبو البقاء هو اسم من التحديث، وهو الإخبار، ثم سمي به قول أو
فعل أو تقرير نسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام. ومعنى الإخبار في وصف الحديث
كان معروفاً للعرب في الجاهلية منذ كانوا يطلقون على أيامهم المشهورة اسم
الأحاديث. ولعل الفراء قد تنبه إلى هذا المعنى حين رأى أن واحد الأحاديث أحدوثة، ثم
جعلوه جمعاً للحديث. ومن هنا شاع على الألسنة: وصار أحدوثة، أو صار حديثاً، إذا
ضرب به المثل. واستعمل الشاعر أبو كلدة في بيت واحد المثل والأحدوثة كأنما ليشير
إلى ترادفهما فقال:
ولا تصبحوا أحدوثة مثل قائل
به يضرب الأمثال من يتمثل
وكيفما تقلب مادة “الحديث” تجد معنى “الإخبار” واضحاً فيها حتى في قوله
تعالى: “فَلْيَأتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ” وقوله: “اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحدِيثِ كِتَاباً
مُتَشَابِهاً”.
بعث الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس الأربعين من عمره، واختاره الله تعالى
لجواره وله من العمر ثلاث وستون سنة بعد أن بلغ رسالته وأدى أمانته. وقد ظل
الوحي يواتيه طوال تلك المدة بأحكام الله وما شرع لعباده، ينزل عليه بين الحين والآخر
بالآية والآيات في حل ما يعرض له من مشكلات وتذليل ما يعترض مهمته من عقبات
ينير له الطريق ويرسم الخطط.
ومن هذه الحوادث الجسام التي امتلأت بها حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
وتخللت كفاحه لتبليغ رسالته، حادث عظيم فذ، هو هجرته إلى المدينة والتجاؤه إلى
من آمن به من أهلها ليؤوه وأصحابه، وليحموا دعوته مما نصبت لها قريش. تلك الهجرة
قسمت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عهدين، تطورت فيهما طرقه في
تبليغ الرسالة. فكان رسول الله قبل الهجرة يناقش قريشاً في المبادئ العامة ويختلف
وإياهم في الألوهية. وهل أساسها التوحيد أم تعدد المعبودات، ويخوفهم بيوم القيامة
ويريهم ما فيه من بعث وحساب يتبعه ثواب أو عقاب، ويطالبهم بإنصاف نسائهم
وعبيدهم ويسوي بين فقيرهم وغنيهم، قال الرسول الكريم في حجة الوداع “كلكم
لآدم وآدم من تراب” وكان عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى أن في أموالهم حقا
معلوما للسائل والمحروم، مما أثار حنق قريش وحفيظتها عليه، فأخذته وأصحابه
بصنوف التعذيب والتنكيل، ليصرفوه عن دعوته ويمنعوه عن الاتصال بالناس حتى تموت
الفكرة وتقبر في مهدها. فلما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أخذ
يفصل ما أجمل في العهد المكي من أمور العبادة ومبادىء الاختلاف، كما وضع
النظريات العامة، وشرع للمسلمين نظم المعاملات كالبيع والشراء والزواج والطلاق،
وحرم المنكرات كالخمر والزنا والميسر، وقرر الحدود والقصاص.
وصفوة القول إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ ينظم أمر تلك الجماعة الصغيرة
الناشئة التي حاطه أفرادها بقلوبهم وأرواحهم، ويشرع لها نظماً لمعاملاتها وهو في
ذلك كله لا يألو جهداً ولا يدخر وسعاً في بث الدعوة وتبليغ الرسالة. وكان القرآن في
ذلك كله ساعده الذي لا يخذله ومدد الله إليه الذي لا يتأخر عنه عند الحاجة، فيه ناقش
المشركين في مكة أمهات مسائل الدين وقضاياه الكلية، وسفه آلهتهم وعاب نظامهم
الاجتماعي.
الحديث والسنة
لو أخذنا بالرأي السائد بين المحدثين، ولا سيما المتأخرين منهم، لرأينا الحديث والسنة
مترادفين متساويين، بوضع أحدهما مكان الآخر: ففي كل منهما إضافة قول أو فعل أو
تقرير أو صفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. بيد أن رد هذين اللفظين إلى أصولهما
التاريخية يؤكد وجود بعض الفروق الدقيقة بين الاستعمالين لغة واصطلاحاً.
فالحديث كما لاحظ أبو البقاء هو اسم من التحديث، وهو الإخبار، ثم سمي به قول أو
فعل أو تقرير نسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام. ومعنى الإخبار في وصف الحديث
كان معروفاً للعرب في الجاهلية منذ كانوا يطلقون على أيامهم المشهورة اسم
الأحاديث. ولعل الفراء قد تنبه إلى هذا المعنى حين رأى أن واحد الأحاديث أحدوثة، ثم
جعلوه جمعاً للحديث. ومن هنا شاع على الألسنة: وصار أحدوثة، أو صار حديثاً، إذا
ضرب به المثل. واستعمل الشاعر أبو كلدة في بيت واحد المثل والأحدوثة كأنما ليشير
إلى ترادفهما فقال:
ولا تصبحوا أحدوثة مثل قائل
به يضرب الأمثال من يتمثل
وكيفما تقلب مادة “الحديث” تجد معنى “الإخبار” واضحاً فيها حتى في قوله
تعالى: “فَلْيَأتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ” وقوله: “اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحدِيثِ كِتَاباً
مُتَشَابِهاً”.